= قد علم كل أناس مشربهم:
الداعية، ليس بالضرورة أن يكون كالصورة التي في أذهان الناس، خطيباً مفوهاً فارساً للمنبر، واعظاً مرشداً منذراً ومبشراً، بل إن كل من حمل في قلبه شعلة حرقة من أجل الدين والغيرة عليه، هو من الدعاة الذين تقوم بهم الحياة وتنهض بعطائهم الأمة، وكم بين الجموع من أسماء مغمورة وجهود منضوية، تعمل بجد ليل نهار في إصلاح الناس والرقي بهم، من فرسان في تربية النشء، وفي تعليم القرآن، وفي حمل رسالة القلم، وفي نصح العائلة والجيران والأصدقاء، وفي توثيق العلم وتحقيق مسائله، وكل منهم قد علم أي مجال يصلح له ويمكن أن يبدع فيه، فشمر عن ساعده وبذل قصارى جهده في ميدانه، وربما لا يكون قد وقف خلف منبر يوما!
= نور لدعوتك:
يتقدم الدليل في مسار مظلم وخلفه مجموعة من الناس، هم لا يرونه جيدا لكنهم يسمعون صوته، يحاول أن يرشدهم في ذلك الدرب الموحش إلى المخرج، لكن الأمر من الصعوبة بمكان، إذ لا يدرون في الظلام إلى أين يشير وأي جهة يسلك!
أما الآخر، ففي كفه سراج وهاج، نوره يملأ المكان متراقصا على جانبي الطريق، منعكسا إلى مسافات وآماد بعيدة، فالناس خلفه على بصيرة وهدى، يتبعونه واثقين من علمه مستأنسين بجذوة النور معه..
فشتان بين هذا الدليل وذاك، رغم ما يختلج في قلبيهما جميعا من الرغبة في هداية الناس وإرشادهم.
الداعية إلى الله مرشد للناس إلى المحجة البيضاء والصراط المستقيم، لكن حديثه وجهوده تظل في الظلمات ضعيفة الأثر واهنة الجدوى، ما لم يكن مع حديثه نور من الوحي المنزل، بذكر دليل من الذكر الحكيم أو السنة المطهرة أو الأثر الصحيح، تدعم كلماته بالقوة والصدق، وتضفي على حديثه النور والإشراق.
لا بد أن يكون لدى الداعية علم مؤصل، ودليل يعلمه حق العلم، بلا ركاكة في الرواية أو تخبط في الإستشهاد، يعضد به ما يدعو إليه وينصح به، فالنفوس إذا ذكر لها قول الله وقول رسوله خشعت وأنابت وإستجابت إن كان بها إيمان وتقوى، أما الحديث المجرد والوعظ الجامد، فإنه ضعيف الردع عن التمرد على النصيحة وإتباع الهوى.
قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} [يوسف:108]، قال ابن كثير: يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين الجن والإنس آمرا له أن يخبر الناس أن هذه سبيله أي طريقته ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ويقين وبرهان، هو وكل من إتبعه يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي.
= أفمن ينشؤ في الحلية:
حب الزينة والتجمل أمر فطري في نفس المرأة، ولهفتها إلى التغيير والتجديد لا تلام عليه إذا كان في حدود المباح والمعقول.
وفي هذا الزمن، كثرت الأصناف وتعددت الألوان، وأصبحت المرأة تقف حائرة أمام آلاف الأشكال من الأزياء والمجوهرات والأصباغ والعطور، وربما ترددت كثيرا في تخطي ضابط شرعي أمام بهرج الإغراء وروعة العرض، حتى صار مجال الزينة من أوسع المداخل على المرأة في التساهل بالشرع والتهاون بالضوابط، خاصة إذا كان من حولها لا يبالون بالحلال والحرام، فتجد في نفسها راحة موهومة بأنها الأفضل من غيرها، وإن تساهلت في شيء هين في نظرها.
ونتيجة لذلك، صار أيضا لدى الداعية تركيز على إنكار أمور الزينة، وأصبح أول ما يلفت نظرها في النساء لباسهن وقصة شعرهن، وإنكار المنكر -إذا وقع فعلا- في ذلك أمر محمود ومطلوب، بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالقدر الذي لا يغفل الداعية عن مهامها الأخرى من الأمر بالمعروف في العقيدة والعبادة، والتربية والحقوق، وغير ذلك.
لكن هذه إشارة مهمة! ليكن نصب عينيك أيتها الداعية دائما، ما للزينة من حب وتفضيل فطري في قلوب النساء، فلا تجدي في نفسك عتبا على بعض أهل الخير في إهتمامهم بالتغيير والتجديد، وحجتك أن الهمة أعلى من ذلك وأجل، ولا يجرنك ذلك إلى إنكار كل جديد لمجرد أنه جديد، بل وازني الأمور واعرفي الضوابط، وباب المباح باب واسع ونعمة من الله على عباده، وأي النساء أفضل من الصحابيات، رغم ما روي عنهن من أخبار كثيرة في حبهن للزينة والتجمل والتعطر، أليس كذلك؟!
= امنح نفسك الثقة!
تمر بحياة الداعية مواقف متلألئة، ساطعة بعاجل بشرى المؤمن، ثناءً على جهوده في الدعوة وتفانيه في سبيلها، وتعبيراً له بالشكر جزاء حسن أثره وحرارة صدقه وجميل حديثه..
هذه الكلمات من الناس المتأثرين بجهدك المبارك، أيها الداعية القدير، هي بمثابة الكف الحانية التي تربت على كتفك تشجيعا لك، ودفعا إلى المزيد من البذل والعطاء، هي المسن الذي يشحذ همتك، والنداء الذي يحث ما خار من عزيمتك، فلتمنح نفسك هامشا نقيا من الرضا والثقة، والسعادة المفعمة، التي لا تركن بك إلى الغرور ولكن تدفعك للعمل الأعلى، بدل أن تسومها دائما دائما سوء العذاب من الإتهام المجحف والشعور بالنقص المرير، رجاء تربية النفس على القوة والصرامة، واعلم أن الجفاف الدائم يميت النبتة عطشا كما يميتها الماء الدائم غرقا!
الكاتب: منال الدغيم.
المصدر: موقع رسالة المرأة.